ألمانيا بطلة العالم …فازت على الأرجنتين وصنعت تاريخاً جديداً في «ذاكرة المونديال»
أنهت ألمانيا 24 عاماً من الإنتظار المرير لتذوّق طعم الذهب منذ أيام الجيل الذهبي المتمثل برودي فولر ولوثار ماتيوس ويورغن كلينسمان واندرياس بريمه، وتحت قيادة الأسطورة فرانتس بكنباور، الذي أحرز آخر ألقاب «الناسيونال مانشافت» عام 1990 في إيطاليا وعلى حساب الأرجنتين نفسها، في مصادفة لا يمكن المرور عنها مرور الكرام. إنتصرت ألمانيا، للمرة الأولى كبلد موحّد (فازت ألمانيا الغربية بثلاثة ألقاب عندما كان مقسّمة حتى سقوط جدار برلين عام 1990). لكنّ هذا الفوز كان لافتاً بمعانيه.
أولاً أنهى إنتظاراً طويلاً بلغ 24 عاماً كانت ألمانيا مرات عديدة خلالها قاب قوسين أو أدنى من التتويج قبل أن تسقط في الأمتار الأخيرة (نهائي 2002 ونصف نهائي 2006 و2010). وثانياً، إستحقت ألمانيا اللقب عن جدارة بتشكيلة أقل ما يقال عنها انّها متكاملة ومتجانسة، ولا يمجعها سوى هدف واحد هو اللقب، ولهذا السبب اختير كل لاعب، في أي مركز، وبأي عمر كان.
وثالثاً، لأنّ ألمانيا صنعت التاريخ بإمتياز: فوز لن تنساه الذاكرة البشرية الكروية مدى العمر، على حساب البرازيل البلد المضيف 7-1 في الدور نصف النهائي، بينها 5 أهداف في 25 دقيقة، وأيضاً لأنّ الألمان انتصروا في عقر دار القارة الأميركية في إنجاز غير مسبوق، إذ لم يتوّج أي منتخب أوروبي قط في القارة الأميركية، ولطالما احتكرت منتخبات أميركا الجنوبية اللقب من الأورغواي الى البرازيل والأرجنتين.
وبالتالي فإنّ إنجاز المنتخب الألماني كان «مثلث الأضلاع»: نجمة رابعة، إكتسح البرازيل وردّ ثأراً عمره 10 أعوام، وأنهى إحتكار منتخبات أميركا الجنوبية للبطولات التي تستضيفها، وكرّس سيطرة الأوروبيين على اللقب، بدءاً من نسخة 2006 مع إيطاليا الى 2010 مع إسبانيا، والآن «ألمانيا»!
الألمان إستحقوا اللقب
إستحق الالمان عن جدارة الفوز باللقب. فالفوز لم يأتِ بالصدفة أو بمفاجأة. فمنتخب ألمانيا هو عصارة تخطيط وتأسيس وجهود طويلة بدأت عند إستضافة كأس العالم عام 2006 وخيبة الخروج من الدور نصف النهائي، التي تحوّلت لاحقاً الى شرارة بناء فريق ذهبي مبني على عناصر بدأت تأخذ مكانها في الساحة الأوروبية، أمثال ميروسلاف كلوزه وباستيان شفانيستايغر وفيليب لام وبير مرتساكر، وأضيف اليها لاحقاً نجوم صاعدون ومميزون كمسعود أوزيل وسامي خضيرة واندريه شورليه ومادس هاميلز وماريو غوتزه «والفتى الذهبي» الخاص بألمانيا – توماس مولر! ودائماً، هناك المدرب يواكيم لوف، الذي لم يكن يملك مسيرة رفيعة حيث درّب فرقاً مغمورة نوعاً ما، قبل إستلامه دفّة قيادة المانشافت بدلاً من يورغن كلينسمان عام 2006 الذي شغل منصب المساعد له لعامين بين 2004 و2006.
وبمعزل عن كل ما يقال، إلّا أنّ لوف إستطاع أن يصعد مع هذه التشكيلة كما أي لاعب يمكن أن يرتقي ليثبت نفسه، فتمكن إبن الـ 54 عاماً من جمع هذه التوليفة الناجحة بمساندة واضحة من الإتحاد الألماني، الذي كان الأكثر وعياً ونشاطاً بين نظرائه الأوروبيين أو غير الأوروبيين حتى. هذا اللقب هو الرابع لألمانيا التي عادلت إيطاليا في المركز الثاني بفارق لقب عن البرازيل المتصدرة، فيما فشلت الأرجنتين في إحراز لقبها الثالث.
أفضلية تكتيكية للألمان وفرص مهدرة للأرجنتين
إنتهى الشوط الأول بنتيجة سلبية، لكنّ الأداء لم يكن سلبياً إطلاقاً، إذ بادر المنتخب الألماني نحو الهجوم من البداية متسلحاً بأفضلية خط الوسط والتي خوّلته الإستحواذ على الكرة والسيطرة على إيقاع المباراة من خلال التمريرات القصيرة بين جميع لاعبي المانشافت، فيما انصب تركيز الأرجنتينيين على الهجمات المرتدة لمعرفتهم بإنعدام فرصهم في السيطرة على خط الوسط نظراً الى فارق الأسماء بين الفريقين في هذا المركز.
وبالفعل كان الأرجنتينيون خطرون جداً في الهجمات المرتدة مستفيدين من سرعتهم وبطء الدفاع الألماني، إحداها في الدقيقة العشرين عندما انفرد غوانزالو هيغوايين بالحارس مانويل نيوير بعدما أعاد طوني كروس الكرة برأسه عن طريق الخطأ الى الخلف، بيد أنّ تسديدة هيغوايين مرّت بجانب المرمى. ومع أنّ الألمان حافظوا على الإيقاع عينه، بيد أنّهم فشلوا في إختراق عمق دفاع الأرجنتين. وفي الدقيقة 30، إشتعل ملعب الماراكانا بعدما سجّل هيغوايين هدفاً إثر تمريرة عرضية منخفضة من إيزيكييل لافيتزي، بيد أنّ الحكم المساعد أعلن راية التسلّل.
وفي الدقيقة 32، إستبدل لوف، اللاعب كريستوف كرايمر الذي شارك بدلاً من سامي خضيرة المصاب بعد تعرّض الأول لضربة على الرأس في منتصف الشوط الأول، فكان لشورليه فرصة خطرة نسبياً من تسديدة مشارف منطقة الجزاء تصدى لها الحارس روميرو دون مشاكل. وفي الدقيقة الأولى من الوقت بدل عن الضائع، كاد «رأس» بينيديكت هوفيديس ان يمنح الألمان التقدم، إلّا أنّ تسديدته ارتطمت بالعارضة مسدلة الستار عن شوط أول سلبي النتيجة.
دفع اليخاندرو سابيلا بنجم الهجوم سيرخيو أغويرو مكان لافيتزي في بداية الشوط الثاني، وحصل ميسي على فرصة خطيرة للتسجيل بعدما اخترق المنطقة الألمانية وسدّد كرة قريبة من مرمى نيوير عكست تغيّراً في إيقاع المباراة، حيث برز تحسّن لافت في قدرة الأرجنتينيين على التحكم بمجريات المباراة. وبان الحذر على الفريقين في الشوط الثاني مع تراجع وتيرة الألمان، لكنّ الفريقين لم يقوما بأي فرص صريحة لتذهب المباراة الى التمديد.
وبعد نهاية الشوط الإضافي الأول سلباً، إستطاع المنتخب الألماني أن يخطف تقدّماً غالياً عن طريق البديل غوتزه، بعدما تلقّى تمريرة من البديل الآخر شورليه حيث استقبلها غوتزه بصدره بشكل رائع قبل ان يحوّل الكرة داخل المرمى قبل سبع دقائق من نهاية الوقت (113)، ولم يستطع المنتخب الأرجنتيني الردّ بأي شكل من الأشكال لتنتهي المباراة بفوز المانيا 1-0.
تشكيلتا الفريقين
– المانيا: مانويل نوير – فيليب لام وجيروم بواتنغ وماتس هوملس وبينيديكت هوفيديس – كريستوف كرامر (أندريه شورليه) وباستيان شفاينشتايغر – توماس مولر وتوني كروس ومسعود اوزيل – ميروسلاف كلوزه (ماريو غوتزه).
– الارجنتين: سيرخيو روميرو – بابلو زاباليتا ومارتن ديميكيليس وايزيكييل غاراي وماركوس روخو – انزو بيريز
(فيرناندو غاغو) ولوكاس بيليا وخافيير ماسشيرانو وايزيكييل لافيتزي (سيرخيو أغويرو) – ليونيل ميسي وغونزالو هيغواين (رودريغو بالاسيو).
ترتيب الهدّافين
1- خاميس رودريغيز (كولومبيا)
6 أهداف من 5 مباريات
2- توماس مولر (ألمانيا) 5 أهداف من 7 مباريات
3- روبن فان بيرسي (هولندا) 4 أهداف من 7 مباريات
3- نيمار (البرازيل) 4 أهداف من 5 مباريات
3- ليونيل ميسي (الأرجنتين)
4 أهداف من 7 مباريات
100 ألف أرجنتيني قدموا
تقاطر نحو 100 ألف أرجنتيني الى ريو، حيث شهد النهائي حضوراً قياسياً للنهائي، وذلك في حضور 73500 متفرج داخل الملعب ومئات الملايين في مختلف أنحاء العالم.
كذلك احتشد نحو 200 ألف ألماني في منطقة المشجعين على مقربة من بوابة براندنبورغ في العاصمة برلين، فيما اجتمع الملايين في الحدائق، الحانات، الأندية الرياضية والمنازل لمتابعة النهائي.
وفضلاً عن عشرات الآلاف من الأرجنتينيين الذين توجهوا الى الجارة البرازيل، نزل الآلاف الى ساحة بلازا سان مارتين في العاصمة بوينوس أيرس التي هطلت عليها أمطار غزيرة أمس الأول السبت.
وتحوّل المهرجان الكروي الى احتفال عالمي، فنظمت المهرجانات في دول مختلفة. في بنغلادش مثلاً، صنع مزارع علماً المانياً بطول 3،5 كلم يحيط بملعب في بلدة ماغورا الغربية.
زحمة شخصيات في منصة الماراكانا
حضر عدد من السياسيين والرياضيين والفنانين نهائي مونديال البرازيل، حيث جلس على المنصة الرسمية في الملعب الشهير الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، الرئيس الألماني يواكيم غواك، المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما، رئيس وزراء انتيغوا وباربودا غاستون براون، رئيس الغابون علي بونغو اونديمبا ورئيس الوزراء المجري فيكتور اوربان.
وفضلاً عن رئيس الإتحاد الدولي جوزيف بلاتر ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ وأمين عام فيفا الفرنسي جيروم فالك، كان أركان فيفا حاضرين بقوة مع أعضاء اللجنة التنفيذية الفرنسي ميشال بلاتيني، الأرجنتيني خوليو غروندونا، الكاميروني عيسي حياتو، الاسباني انخل ماريا فيار، الجزائري محمد راوراوة وغيرهم من اعضاء اللجنة.
كما حضر النهائي اللاعبون السابقون الاسباني كارليس بويول بطل 2010، الإيطاليان فابيو كانافارو وماركو ماتيراتزي بطلا 2006، الالماني لوثار ماتيوس بطل 1990، الأرجنتيني دانيال باساريلا بطل 1978… وتبرز أسماء نجم كرة السلة الأميركي ليبرون جيمس والعارضتين البرازيليتين جيزيل بوندتشن وادريانا ليما والمغني الإيطالي ايروس رامازوتي والتينور الاسباني بلاسيدو دومينغو والممثل البريطاني دانيال كريغ والفنانة الكولومبية شاكيرا والممثل الأميركي اشتون كوتشر.
ميسي أفضل لاعب في البطولة
وكجائزة ترضية، نال نجم المنتخب الأرجنتيني ليونيل ميسي جائزة أفضل لاعب في كأس العالم بعدما قاد بلاده الى بلوغ النهائي بمجهود فردي في مباريات عدّة، فيما اختير الألماني مانويل نيوير الحارس الأفضل، فيما حلّ الكولومبي خاميس رودريغيز في صدارة ترتيب الهدّافين على رغم خروج بلاده من الدور ربع النهائي. وقامت مجموعة الدراسات الفنية في فيفا والتي تضم خبراء متخصصين تابعوا عن كثب جميع مباريات البطولة حتى الآن، باختيار اللاعب الفائز.