خاص – صباحٌ ثقيل مرّ من هنا
بيروت – مصطفى رعد
يحدث أن صباحاً كهذا الصباح، قد مرّ ثقيلاً، متخماً بالبكاء. لم يدفعني شيء إلى البكاء في حياتي، أكثر من هذا الصباح الذي فاح برائحة بلال، بعدما خطفه ملاك الموت على طريق المطار قبل عامين.
لم استطع ان اجتاز ذلك الليل إلى أحلامه، التي لا تنام، حتى ولو قرر أحدهم اطفاء مدينة بحالها. رنة ضحكته التي ما زالت ترن اسبوعيا في بالي، تذكرني بالمرة الأولى التي سمعت فيها اغنية أمل حياتي للراحلة ام كلثوم، كأنك والست تغنيان الحياة نفسها، بحلوها ومرها. أملي، حياتي، عينيا، يا اغلى مني، يا اغلى مني عليا. يا حبيبي مبارح وحبيب دالوقتي، ويا حبيبي البكرا ولآخر وقتي.
هذا انت يا بلال. حاولنا كثيراً، انا ومحمود وحسن أن نجتاز ليلك، إلا أن ذاكرتنا التي لا تنسى، وهذا نادراً ما تفعله، أبت أن ترميك خارج هذا الزمن. بلال انت لم ترحل، وهذا نادر الحدوث فعلاً. ربما، لأننا كنا آخر من رآك، حينما نُقلت إلى بيت المغسل، لنرتب أمور توصيلك إلى دنياك التي تحبها. بعد الدفن، جلسنا إلى جانب قبرك، وكتبنا على شاهده: رح نشتقلك يا بلال..
فعلاً، عامان من الغياب، ولم تغب، كالشمس التي لا تريد أن تنطفئ عند المغيب. إن اجتزنا احلامك يا بلال، سأفترض أن كوكباً بكامله، بناسه، ووروده، وشمسه، وقمره، قد اختفى.
يحدث يا بلال، أني زرت والديك وحسن، في بيت العائلة في الضاحية. ما زالت الأغراض في دكانة أبو سليمان مبعثرة، كما تعودت أن تراها في غيابك، ومرتبة، حين كانت تلامس يدك المكنسة. جلست انتظرك في الدكان، شممت رائحتك، وضحكتك التي انتشرت في المكان، فأنتشيت وبكيت. اعرف انك موجود، احضر كرسيك واجلس إلى جانبي. ولننتظر حسن ومحمود، وزوار الدكان.
اراد والدك أن يزين الدكان بصورة طويلة بنفس حجمك، ورشها برائحتك التي بقيت في خزانتك، كي يتصبح ويتمسى بها. كي يشمها، ويغمرها، وليقول لك “نفسي اندهلك بكلمة، ما تقالتش لحد تاني، كلمة قد هواك دا كلو، قد اشواقي وحناني، كلمة زيك، وإلي زيك فين”.
ام كلثوم تشبهك يا بلال، رغم انك لم تسمعها. يحدث يا بلال، أن كاميرتك التي احتفظ بها محمود، بعد رحيلك القسري، قد عادت إلى شقيقك البكر. كاميرتك يا بلال، كانت بداية الحلم. كل الذكريات ما زالت محفورة فيها.
يحدث يا بلال أن يريح الله نفسه من مغبة اتهامه بأخذ أرواح الناس الطيبين، فوكل ملاكه عزرائيل بالمهمة. يحدث أن نسألك أين أنت في كل يوم وكل اسبوع وكل شهر وكل عام، لنعرف إنك في قلوبنا.
لقد تركنا ورود حمراء، كالتي تحبها، على قبرك، اهتم بها ارجوك. الله يرحمك.
