خاص – لورا التي ابتلعتها الساقية
بيروت – باسكال صوما
كانت “لورا” تجرّ قدميها كل صباحٍ حوالي الساعة الخامسة فجراً، إلى الشارع المحازي للبحر، الروشة تحديداً.
كانت لورا التي ورثت اسمها عن جدّتها تعتقد أنّ البحر أءمن من قد تلجأ إليه. هو الذي حفظ أسرار كل البشر ولم يفشِ سرّاً واحداً.
لكنّ لورا كانت تجلس قبالة البحر صامتة. تردّد على مسمع العابرين بعض الدعوات، لعلّ أحدهم يتصدّق عليها بأيّ شيء. أحياناً كانت تشبع من نظرة. أحياناً كانت تجوع من كثرة المال في صحنها.
لورا تعلم أنها منذ هروبها من المركز المختصّ بمرضى الأعصاب، وهي ليست على ما يرام. إلاّ أنها تحبّ الحرية أكثر من الصحة. تحبّ رائحة الموج أكثر من الأدوية. تعشق تفقّد وجوه الناس. وتكره ذلك أيضاً. في كلّ الأحوال لن تعود إلى هناك. لن تعود الى أي مكان. ستبقى في هذا الهواء، معلّقةً في السرمد، في اللا مكان. هكذا تحتفظ الأشياء بوجهٍ نضر. هكذا لا تكون الحياة مبرمجة بشكلٍ قاتل، على مواعيد الأدوية والزيارات في المركز. هكذا يمتدّ البحر على الألم، يطمر ما تيسّر ويعود.
بقيت لورا على هذه الحالة عشرة أعوام.
كان أبناؤها يفتشون عنها من دون جدوى. لم تكن تريد ان يعرف أحدٌ أنها على قيد الحياة. كانت تريد أن تموت فيهم، أن تدفن في أعمارهم، وتنساها بيوتهم نهائياً.
خلال هذه السنوات، جمعت لورا مالاً كثيراً.
ذات مرّة وقد خشيت أن يعلم أحدهم أنها لم تمت، ذهبت عند تلك المكتبة التي في آخر الشارع، طبعت أوراق نعيها، وعلّقتها في المدينة.
ثمّ غادرت المدينة
وتركت البحر.
ذهبت إلى الريف.
ربّما هناك تستمتع أكثر.
قرأ أولادها أوراق النعي. بكوا كثيراً. ثمّ هدأوا. ثمّ أتى الشتاء. ثمّ ماتت لورا حقاً ولم يعلّق أحدٌ أوراق النعي. تفلت جثّتها قرب الساقية. مرّت هرّةٌ طيبة، رمتها في الساقية. أكلتها الساقية. ثمّ عاد الربيع.
قصّة من خيالي ولكن…