مطعم ابو شقرة يلخص حضارتي مصر والإمارات
كنت وأنا صغير أحلم بصنع مائدة يجلس عليها الجميع ،الأسود والأبيض، ومن كل جنس.. وكان الحلم يستغرقني كثيراً بعد الصحو وأتخيلني أقطع الخشب وأدق المسامير وأجمع الاطباق من مطبخ والدتي وأعد المائدة وأنتظر.. وكانت أمي رحمها الله تضحك من حلمي وتقول لي “انت عاوز تبقى طباخ وتفتح مطعم يا ضياء”.. فاضحك وأتوقف عن سرد تفاصيل الحلم خوفا من سخريتها..
وانشغلت ودخلت مجالات عمل عدة وحققت انجازات كبيرة، لكن الحلم ظل يطاردني من دون ان تتحدد طبيعة تلك المائدة أو مكانها.. إلى أن دخلت بزنس المطاعم فعلا، فتذكرت تفسير والدتي لحلمي القديم. وافتتحت مطعما في ايرلندا لكنه لم يفتح طاقة الحلم ويترجم الفكرة القديمة لمائدة الطفل الصغير… تلك المائدة المفتوحة للناس من كل جنس. فإيرلندا بلد مغلقة على عدد قليل من الأجناس.
ووجهني تفكيري ونصائح الأصدقاء، عندما قال لي أحدهم: تقيم في دبي وتفتش عن مائدة؟! أنت تعيش في أكبر مائدة عالمية بعد نيويورك.. فابتسمت وقرأت الفاتحة على روح أمي
وعندها ارتج القلب من الفرح.. فالأحلام عسيرة في أيامنا الراهنة. لكني راهنت على مدينة الحلم، والتي أراها كما قلت نموذجاً لمدينة الحضارة الانسانية الحالية نيويورك. فهي من جهة بوابة للقاء الإنسان بالإنسان ومنصة عالمية للحوار بين الثقافات. كما أنها – أي نيويورك – مدينة الأحلام الممكنة، التي تسمح لمهاجر صغير كان جده مسلما أن يصبح رئيساً لأكبر دولة في العالم
وهكذا يمكن قراءة الحلم في دبي.. فهي وإن كانت من أكثر المدن إخلاصا لماضيها وبحرها، إذ نسميها بحق لؤلؤة الخليج، فإنها أيضا أول تجليات الحداثة. وكان احد أصدقائي من المصريين قد كتب يوما كيف للؤلؤة أن تنتقل في ربع قرن فقط من شبكة الصيد إلى شبكة الإنترنت من دون أن تهتز قيمها
هكذا صدقت حلمي وتفسير أمي وصدقت من قبل ومن بعد طبيعة اللؤلؤة التي تحمي حياتنا بصدفة التقاليد الراسخة وتجعل أحلامنا ممكنة.. فقررت استعادة حياة مطعم قديم عرف النجاح وعاش لحظة تحقيق الحلم في شارع ال مكتوم، وإن عاش لحظة غفوة غريبة لسبب أو لآخر
ولا أدري السبب الذي دفعني لاختيار ابو شقرة تحديداً.. هل هو ترجمة للحلم القديم أو هو الحنين لمكان كنت استمتع فيه بتناول الطعام. وغلبني الحنين وأنا أنتقل بالحلم من ضبابية الرؤية ليقين الواقع، فاخترت المكان الذي كانت له لحظة فرح في قلب دبي.. وقلت لنعد بعث المكان بالاسم نفسه. وبالفعل أحسست برعشة الحلم وهي تغادر جسدي بفرح خفي وبدأ العمل في تجهيز مطعم أبو شقرة دبي.
وعندما قررنا في مجلس ادارة الشركة اختيار يوم لتدشين المطعم، لم نجد أفضل من شهر رمضان المعظم لعدة أسباب، أولها ان لرمضان في الإمارات بشكل عام و في دبي بشكل خاص طابع مميز يجعله شهراً للمحبة والسمو على الخلافات بين الأهل والاصدقاء والجيران، ما يجعل رمضان الإمارتي بحق شهر التسامح العظيم وشهر “اللمة الحلوة”، التي تحول الإفطار من مجرد كسر للصيام إلى مائدة للمحبة والتسامح ولم الشمل.. ما يحول مائدة الطعام إلى مائدة نورانية تمنح المطعم فلسفته الخاصة والتي يلخصها شعارنا وهو: “أكثر من مجرد مطعم”.. فهو يقدم الطيب من الطعام وأكثر…
ففي ضميري يمثل المطبخ العربي والعالمي مسرحاً له نكهات تتنوع بحسب الثقافات والأعراف والتقاليد إلى الدرجة التي يصير نوع من الطعام أو أكلة خاصة رمزا للهوية وعلامة على بلد، وتأطير لفهم الناس لتاريخ بلادهم من خلال تناسخ الأكلات وحفظ تاريخها وضمان استمرارها. فالكشري المصري علامة والمنسف الاردني علامة والتبولة اللبنانية علامة والمندي الخليجي علامة.. على ثقافة تفرض نمطا من الأنماط في إعداد الطعام وتقديمه، بحيث يستطيع الضيف معرفة الأكلة من نكهتها او رائحتها او طريقة تقديمها، ويستطيع في جلسة قصيرة يتناول فيها الطعام أن يتذوق ثقافات العالم..
وهنا تكمن فلسفة ابو شقرة الذي يمد مائدة عالمية على أرض دبي، فيها حوار النكهات والثقافات بإيقاع البهجة والفرح بالحياة. فلا يسد المطعم الجوع فقط.. ولكنه ساحة للفرح بالحياة وتنوعها الجميل في ألوان الطعام وطرق تقديمه لرواده الذين يرتدون أزياء تعكس تنوعهم وثقافاتهم.. فدبي هي نيويورك العرب والمدينة العالمية بامتياز، التي يعيش فيها أبناء أكثر من ٢٣٠جنسية عالمية، ما يجعلها مدينة العولمة الرحيمة، التي تعرف الابتسامة وتمد بساط السعادة في العمل كما في البيوت وفي الشوارع كما في المطاعم