طفرات كورونا الجديدة أكثر انتشارًا بمعدل 56%… فهل هي المسؤولة عن زيادة الوفيات في لبنان والعالم؟
ما زالت المعطيات حول ظهور طفرات كورونا الجديدة تتوالى فصولاً، وما زالت الدراسات والمتابعات أولية. التحدي الأكبر يكمن في تقصي الحالات وتحليلها ليُبنى على الشيء مقتضاه. هذا النوع من الفيروسات لا يمكن التأقلم مع وجوده لأن ذلك يمنحه الفرصة للتبدل، والأهم أن يكون أكثر فتكاً وقوة؛ إذاً، ما العمل؟ نحن لا نتحدث عن سلالة واحدة وإنما عن سلالات مختلفة ظهرت في بريطانيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، ولكن ماذا نعرف عن تداعياتها علمياً؟ وماذا عن تأثيرها على اللقاحات؟
لا نعرف الكثير عن هذه السلالات في لبنان. حتى الساعة يبدو أن السلالة البريطانية موجودة فعلاً ولكن لا نعرف منذ متى تحديداً. يقول الاختصاصي في الأمراض الجرثومية في مستشفى الروم الدكتور عيد عازار على حسابه على “تويتر”، إن “بعض النتائج من دراسة 66 عينة في مستشفى الروم، 38 منها (أي57 %) مرتبطة بالسلالة الإنكليزية”. هذا الحديث كان أكده سابقاً مستشفى الرسول الأعظم وبهمن خلال عينات مرضى في الشهر الماضي والتي أكدت أيضاً أن “هذه السلالة موجودة في لبنان وهي أخطر بكثير من السلالة الأولى لأنها تنتشر بسرعة جنونية”.
الكلّ يغرد عن انتشار طفرات كورونا، هل هو التفشي الوبائي المجتمعي أم أعداد الإصابات التي تحتاج إلى المستشفى والعناية؟ هل هناك علاقة بينهما؟ لا شيء مثبت حتى الساعة علمياً. لكن ما أعرب عنه مدير مستشفى الحريري الجامعي الدكتور فراس الأبيض في تغريداته مقلق ومهم، يقول: “كان انتشار طفرات الكورونا الجديدة في لبنان متوقعًا، وربما ساهم في الارتفاع الحاد الأخير في الحالات. لكن الخبر الأكثر إثارة للقلق هو التقارير الواردة من المملكة المتحدة والتي تشير إلى أن بعض طفرات الكورونا قد تسبب زيادة في عدد الوفيات.
ومنذ أكثر من أسبوع يُسجل لبنان أرقاماً متزايدة في عدد الوفيات، ويتوقع الخبراء والأطباء أن يرتفع العدد أكثر في الأسابيع المقبلة. فهل تكون نسبة الوفيات مرتبطة بعدد الإصابات المحلية التي تواصل الارتفاع أم بسبب الطفرات الجديدة؟
وفق الأبيض، “تؤدي بعض الطفرات إلى فيروس أكثر عدوى، وبالتالي تثبط من نجاح تدابير الاحتواء، كما أظهرت بعض الدراسات الحديثة أيضًا أن الطفرات الفيروسية يمكن أن تؤدي إلى سلالات لا يسهل التعرف إليها بواسطة جهاز المناعة في الجسم، ما يجعل اللقاحات أقل فعالية.
باختصار، يمكن أن تكون الطفرات أخبارًا سيئة. كلما زاد الوقت المسموح للفيروس بالانتشار والتكاثر في المجتمع، كلما زاد احتمال ظهور طفرات فتاكة أو سريعة الانتشار. لهذا السبب، قد لا تكون تدابير الاحتواء وحدها كافية لاسترجاع حياتنا الطبيعية”.
عالمياً، رُصدت النسخة البريطانية المتحورة من فيروس كورونا المستجد حتى الآن في 60 دولة على الأقل، في حين ظهرت النسخة المتحورة الثانية التي ظهرت للمرة الأولى في جنوب أفريقيا ، ويُعتقد أنها أكثر عدوى من النسخة البريطانية في 23 دولة ومنطقة لغاية اليوم.
وقد أثار تصريح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأن السلالة المتحورة هي أكثر فتكاً بنحو الثلث، مخاوف حول العالم، ولكن هذه البيانات غير مؤكدة، ولم يتم توثيق ذلك. الدراسات مستمرة للنظر في انتقال وشدة السلالة الجديدة للفيروس، وستكشف نتائجها مدى صحة هذه الفرضيات.
تؤكد الباحثة في علم الفيروسات والأمراض الجرثومية والعضو في اللجنة الوطنية للأمراض الانتقالية في وزارة الصحة اللبنانية، الدكتورة ندى ملحم لـ”النهار” أن “الطفرات الجديدة التي ظهرت في دول عدة أثبتت أنها أكثر انتشاراً وعدوى، وبالاستناد إلى الأرقام والبيانات يمكن القول إنّ نسبة زيادة انتشارها تتراوح بين 30 و70% وإنها أشد انتشاراً بمعدل 56%. وبما أنها أشد انتشاراً سيؤدي ذلك حكماً إلى زيادة عدد الإصابات وسيؤثر على النظام الصحي المثقل بالأعباء”.
ولم يعد الموضوع محصوراً بالسلالة البريطانية فقط، بل هناك السلالة التي ظهرت في جنوب أفريقيا وتلك الموجودة في البرازيل وما زلنا نرى المزيد. نحن نرصد هذه الطفرات ونتابعها لتحليلها ومعرفة مدى علاقتها بالانتشار وبشدة المرض ونسبة الإماتة. وبالرغم من التصاريح التي خرجت من بريطانيا بالأمس والتي تشير إلى احتمال الربط بين شدة المرض ونسبة الإماتة والطفرات الجديدة إلا أنه لا يوجد حتى الساعة أي دليل جازم لإثبات العلاقة بينهما، وما زالت هذه النتائج أولية. لذلك ما زلنا بحاجة إلى بيانات إضافية للإطلاع عليها وتحليلها بطريقة صحيحة قبل الاستنتاج والخروج بخلاصة علمية مثبتة”.
وعليه، وفق ما تقول ملحم، “لا تعتبر هذه النتائج الأولية تمثيلية (سواء الأعمار والحالات وغيرها من المعايير) ونحتاج إلى الكثير من البيانات والرصد للخروج بنتيجة جازمة تؤكد وجود علاقة بين هذه الطفرات ونسبة الإماتة وشدة المرض”.
ولكن ماذا عن اللقاحات، وهل تؤثر هذه الطفرات على فعاليتها؟
تشدد ملحم على أن “المهم اليوم هو متابعة ورصد مرحلة ما بعد التطعيم، لمعرفة مدى فعالية ومأمونية هذه اللقاحات. على جميع الدول رصد هذه الأعراض أو الآثار الجانبية التي قد تُسجل نتيجة اللقاحات حتى نتمكن من إصدار نتائج تؤكد ما إذا كانت هذه اللقاحات مطابقة وقادرة على تخطي هذه الطفرات، وكل ما يُحكى اليوم غير دقيق علمياً وغير مثبت.
هذه المخاوف اليوم من تأثير هذه الطفرات على فعالية اللقاح والوفيات التي سُجلت نتيجة تلقي اللقاح ومنها 23 وفاة في النرويج، ولكن بناء على بيانات النرويج ومنظمة الصحة العالمية تبين ألا علاقة للقاح بالوفاة . لذلك علينا الانتظار والمراقبة، وأمامنا مرحلة مهمة للكشف والموازاة بين إيجابيات وسلبيات اللقاحات ومدى قدرتها على تأمين الحماية والفعالية والمأمونية المرجوة. لذلك يجب رصد كل الآثار الجانبية في كل الدول وبطريقة مستمرة حتى نتمكن من الخروج باستنتاجات حول كل ما يتعلق بهذه اللقاحات على المدى الطويل