إحياء الذكرى ال ٢٨ لرحيل حسن صعب رجل الفكر والكلمة

بيروت – محمد علي درويش 
عرفته والداً روحياً وأميناً عاماً لندوة الدراسات الإنمائية، وبعد احتكاكي الطويل به وتعرفي إلى العديد من خصاله وشمائله، تكوّن لديّ انطباع يوحي بأن هذا اللبناني، الذي يحمل شهادة الاجازة من الازهر وشهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة جورج تاون في اميركا عام 1956 عاد الى لبنان حاملاً معه فكرة واحدة وهي التطور والتحديث وحين تسلم عمادة كلية الإعلام في العام 1977 التي كان استاذاً محاضراً فيها منذ العام 1969 عمد الى طرح افكاره التطويرية واول ما طرحه هو ابدال اسم الكلية لتصبح “كلية التواصل”. فالإنسان بالنسبة لحسن صعب هو كائن تواصلي ووجوده مرهون بتطور تواصليته.
الدكتور حسن صعب كان رجلاً رؤيوياً، فالإعلام بالنسبة اليه هو صناعة التقدم، وهو دعا في العام 1979 الى ملاقاة الانتقال من الصحافة الطباعية الى الصحافة الالكترونية التي ستصبح بديلة للصحيفة الطباعية المكتوبة والاذاعية والتلفزيونية هذه الصحيفة التي عرّفها حسن صعب “باللوح الإلكتروني” سيشغّل على نطاق كوني من محطة فضائية. ذلك أن التواصل الأرضي سيخلفه التواصل الفضائي.
سنوات مضت على هذه الدعوة قبل ان تصبح حقيقة عاشتها الصحافة المكتوبة مؤخراً وانتقلنا الى عصر الاعلام الفضائي والاقمار الاصطناعية التي تسيّر كل انواع الاتصال في العالم.
وهذا ما أرتآه حسن صعب لطبيعة الإنسان اليوم والذي اسماه “الانسان التلكراسي” حيث كل وسائل الانتاج هي وسائل تبادلية او تواصلية بين المنتج والموزع والمستهلك، ذلك ان تكنولوجيا التواصل الاعلامي كما اسماها، تصوغ الانسان صياغة فردية لا ككائن فردي او اجتماعي بل كوني. السنا نعيش اليوم العولمة بكافة أبعادها الإقتصادية والاجتماعية والاعلامية.
حسن صعب آمن بالعقل والحرية، واذا اعتبر ان العقل يحرر الإنسان من سلاله، آمن ايضاً ان الحرية هي الإسم الآخر للإنسان، والكمال الذاتي لا يتحقق الا من خلال الإنسان الحر.
من هذا المفهوم انطلق الدكتور حسن صعب في تجربته السياسية داعياً الى تعزيز الثقافة الإنتخابية بواسطة وسائل الاعلام وكان شعاره الحرية والكرامة والاستقلال. وقد دعا في محاضرة القاها في العام 1960 الى ابعاد القيد الطائفي عن الحياة السياسية والى ضرورة الغاء الطائفية عن قانون الإنتخاب اضافة الى دعوته الى تجديد الحياة السياسية ودعم الوجوه الجديدة.(1)
ما طرحه حسن صعب العام 1960 نعيشه اليوم فهو الذي دعا مشاركة المرأة الفعالة في الحياة السياسية وذهب أبعد مما يطرح اليوم حول الكوتا النسائية، اذ اعتبر ان الانتخاب الصحيح هو الذي تشارك فيه المرأة مشاركة فعالة مع الرجل.
حسن صعب الذي كان يعتبر ان الحياة العامة لا تقوم إلا على أساس الحرية الفردية والوحدة الوطنية والعدالة الإجتماعية دعا الى تعزيز قيمة المواطن، فمفهوم المواطنة بالنسبة اليه هو الذي يعزز الوحدة الوطنية والمساواة بين الجميع.
وشخصية حسن صعب تجسد شخصية المواطن العربي المنشود، القادر على التوفيق بين تراث الماضي ومستجدات الحاضر، وعلى إغناء الفكر الديني برجاجة التفكير العلمي.
وكان هاجس الإنماء همه الاول والأخير، يتحدث عنه ويدعو اليه في كل محاضرة يلقيها وكان يرى في الانماء عملية تطوير لكل جوانب الحياة تشمل القيم وأساليب الانتاج والانظمة السياسية والاوضاع الاجتماعية. بل كان يعتبره ثورة عقلانية كفيلة بتفجير القوى الخلاقة والطاقات المبدعة في كل مواطن واستثمارها علمياً من أجل توفير حياة أفضل له وتقدم مطرد.
والانماء، في رأيه لايقتصر، كما يعتقد البعض على النواحي الاقتصادية والمادية، وانما يشمل كذلك عملية بناء أو إحياء حضاري. إنه ثمرة تفاعل دائم بين المادة والفكر يفضي دائماً إلى التطور والابداع الحضاري في مختلف المجالات، وكان في أبحاثه عن الانماء يستحضر حالة العرب المتردية ويؤكد أن الإنماء يعني قيام حركة في المجتمع العربي، قادرة على ان تُعيد اليه قدرته على التجدد ذاتياً وتفتح أمامه باب الابداع والتطوير. وهذا لا يتأتى إلاّ بتحرير الانسان العربي من العوز والجهل، وتحرير العقل العربي من رواسب السلفية المتحجرة التي ترفض الاجتهاد والتجديد. (2)
وكان يردد في كل مناسبة أن الإنماء هو إنماء الانسان، كل الإنسان، وان إنماء الاقطار المتخلفة لايتم إلاّ بوجود مؤسسات فيها قادرة على توفير الضمانات لإحترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية، وتحرير الإرادة والأرض والتراث من التبعية أو السيطرة الأجنبية، والإسهام في مسيرة الحضارة الإنسانية، والإستفادة من إبداع الغير دون محاكاته، والإعتماد على أفضل ما في التراث دون التقوقع فيه.
حسن صعب أدرك أن رجال الفكر كأصحاب الرسالات مدعوون دائما إلى إبداء الرأي الصحيح والعمل على التغير وقلب الموازين الوطنية والتاريخية والإجتماعية حتى لو تعرضوا للموت من أجل إبلاغ رسالتهم الصادقة.
سيبقى اسم حسن صعب مرفوعاً، ومسيرة “إنماء الإنسان كل إنسان وكل الإنسان” مستمرة بفضل كل المخلصين.
ونأمل بمناسبة الذكرى ال 28 لرحيل حسن صعب أن ينعم وطننا الحبيب لبنان بمزيد من الأمن والإسقرار، وأن يتحقق التلاقي بين جميع أبنائه، لما فيه المصلحة الوطنية اللبنانية العليا، وأن يعم الأمن والأمان الوطن العربي بأكمله.
دكتور حسن صعب، لن ننساك.
شارك الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Facebook IconYouTube IconTwitter IconFollow us on Instagram