هكذا تقوي الذاكرة !
تدريب القدرات الذهنية ليس على قائمة الأولويات اليومية كما هو الحال مع اللياقة الجسدية لدى الكثير من الناس، على الرغم من أهمية هذا الأمر في تجنب التدهور أو التراجع الإدراكي.
بمساعدة الإنترنت والهواتف الذكية، يستطيع الشخص أن يصل إلى عدد غير محدود من المعلومات، لكنه أيضاً يتعرض باستمرار للكثير من المنبهات، مثل رسائل واتساب وإشعارات مواقع التواصل الاجتماعي.
مع مرور الوقت، يعتاد المخ هذه المؤثرات ويعاني من القلق لدى افتقادها. ونتيجة لذلك، تقل القدرة على التركيز، وتضعف الذاكرة، ما يؤثر على التحصيل الدراسي، وأشياء أخرى مثل تعلم اللغات والنجاح المهني.
الأمر الجيد هنا، أنه بتخصيص وقت قليل نسبياً للاهتمام بالأمر، فإنه من الممكن تدريب الذاكرة، وميغيل أنخيل بيرغارا وخوسيه ماريا بيا، هما البرهان على هذا الأمر.
فأنخيل بالإضافة إلى تحطيمه 6 أرقام قياسية عالمية، هو أيضاً بطل العالم في الذاكرة السريعة، وماريا بيا هو الحاصل على المركز الثاني في إسبانيا في مسابقات ذاكرة المعلومات الأساسية.
يقول بيا للنسخة الأسبانية من “هافينغتون بوست” إن “الذاكرة السريعة هي مثل الجري لمسافة 100 متر، أما ذاكرة المعلومات الأساسية فهي أشبه بالجري لمدة 30 دقيقة”.
وأضاف بيرغارا: “في الذاكرة السريعة، تتطلب الاختبارات قدرة عالية على الانتباه والتركيز، مثل تذكر الأرقام في ثانية واحدة أو 4 ثوانٍ، بينما في ذاكرة المعلومات الأساسية تكون الاختبارات أكثر طولاً؛ إذ تستغرق 5 أو 10 دقائق، ويتعيّن على المتسابق أن يتذكر أشياء مثل الوجوه وأوراق الكوتشينة وما إلى ذلك”.
أنشأ الرجلان أكاديمية على الإنترنت باسم مدرسة الذاكرة، كما نشرا كتاباً بعنوان “كيف تحصل على ذاكرة الفيل؟ تقنيات وتمارين وحيل ناجحة”.
القدرات العقلية العالية ليست فطرية؛ بل هي نتيجة سنوات من المجهود والتمرين والممارسة:
رياضة ذهنية
المواظبة والاستمرارية هما أهم مفاتيح الحصول على ذاكرة قوية في أقصى قوتها.
يقول بيا: “بالتدريب اليومي وفي دقائق قليلة، من 30 إلى 40 دقيقة، يمكن الوصول إلى مستوى المنافسة”.
يستغرق بيرغارا نحو ساعة يومياً من خلال برنامج حاسوبي، والآن هو بصدد تدريب الذاكرة الأدبية، يقول: “يعتمد الأمر على تعلّم النصوص كلمةً بكلمة، الآن أنا أتعلم رواية دون كيخوتي دي لا مانتشا، هذه الرواية مفيدة للغاية في مسابقات الأعمال المسرحية كسمة مميزة في الاختبارات”.
يرى بيرغارا أنه لا توجد حدود لتحسين الذاكرة، يقول: “طالما تستمر في تحفيز الذاكرة فسوف تستمر في التحسن، يؤثر مرور الوقت في قدراتنا؛ إذ تتراجع مع تقدم العمر، ولكن بالتمرين يمكن أن نجعل الأمر أقل حدّة”.
يذكر بيا إحدى الحالات لرجل يدعى باكو بايث “لديه 64 عاماً ويوشك على تحطيم الرقم القياسي في الذاكرة؛ إذ يعرف أكثر من 72.000 عدد عشري، والرقم العالمي حتى الآن عند 72.030، لن يستغرق الأمر ثوانٍ عدة حتى يستطيع تخطي هذا العدد وتحقيق رقم قياسي جديد”.
حيل للتذكر:
بيرغارا وبيا اللذان اتخذا من الذاكرة مهنة لهما، قدما في كتابهما استراتيجيات وحيل قابلة للتطبيق بصورة يومية، مثلاً في أثناء إجراء المكالمات الهاتفية أو أداء المهام أو تذكّر اسم شخص قمت بمقابلته للتوّ.
ولتجنّب السهو والنسيان المزعج للتفاصيل، إليكم طريقة بيرغارا “اربط اسم الشخص باسم أحد المشاهير مثل الممثلين أو رجال السياسة أو باسم أحد الأشياء التي تذكر اسمها كثيراً، مثلاً قمت بربط أحد الأشخاص ذوي الشعر الأشيب باسم محطة شهيرة للسكة الحديدية تحمل اسمه الأول وتخيلت بها الكثير من الثلوج، قد يبدو الأمر سخيفاً، ولكن هذه الخدع تنطلي على العقل بنجاح وتساعد على التذكر بسرعة”.
أما بيا، فإن نصيحته لتحسين القدرة على التذكر تتمثل باختصار في 3 كلمات:
التفكيك، والاستبدال، والمبالغة.
يقول بيا: “من الممكن تفكيك الكلمة الواحدة إلى كلمات أخرى صغيرة تستدعي لنا صوراً”.
ويشرح “أولى خطوات هذه الحيلة المتعلقة بالذاكرة، الاعتماد على فكرة أن العقل عندما يرتبط بالصور يستدعي الذاكرة بشكل أفضل”.
ولهذا السبب تحديداً، فإنه يحبذ استبدال ما لا يمكن عرضه في صورة بصرية بغيره، مثل تذكّر الأرقام بواسطة كلمات.
ويقول مستطرداً: “بالنسبة لي، فإن الرقم 43 مثلاً يستدعي صورة سرير، من خلال رابطة قسرية تجعل الرقم 3 شبيهاً بشكل حرفي السين والراء (سر) إذا استقامت الراء إلى جوار أسنان السين، والرقم 4 يصبح شبيهاً بشكل الياء والراء معكوساً للجهة المقابلة”.
المفتاح الأخير لدى بيا هو المبالغة؛ فالشيء الذي يثير شعوراً ما يترك انطباعاً أقوى في العقل. “فإذا كان الشيء يوقظ فيك شعوراً ما، فإنك تتذكره”.
وفي النهاية، يقول “والعكس يحدث مع الاعتياد أو الروتين، فإن العقل يمضي تلقائياً بما يشبه نظام الطيار الآلي، عندما تنسى مفاتيحك أو مكان ركن سيارتك مثلاً فهذا لأنك فعلت هذا الأمر من دون اهتمام. وفي المقابل، إبان حدث غير اعتيادي كواقعة سقوط برجَي مركز التجارة العالمي مثلاً، فإنك تتذكر الواقعة بكل تفاصيلها، على الرغم من أن تلك المعلومات ليست ذات صلة بما كنت تفعله أو ما كنت تأكله”.