على سيرة الكذب – للكبار فقط !!

بقلم الدكتور فلاح أبو جودة

يُصرّ الأخوان رحباني ، في أجمل أغنية عرفتها البشريّة عن الكذب ، على أنّ “الكذبي مش خطيي”.

“تعا ولا تجي وأكذوب عليي” .

وكذلك فعل طلال حيدر حين كتب أغنية “روحي يا صيفيّي”فقال :

“يا حبيبي وعدني بمشوار

بشي رحلي بحريي

أنا بعرف مش رح بتروح

بس اضحَك عليي “.

والضحك هنا هو تخفيف لطيف لكلمة الكذب استعمله أهلنا لتفادي استعمال الكلمة القاتلة ، هدفه المزج بين الكذب والمزاح ، وتغيير لون الكذب من أسود الى أبيض.

وحبل الكذب قصير ، إلّا أنّه قد يطول ليصبح أطول من أطول حبل آخر . والكاذب يضحك في عبّه ، وهو على سرير الموت حين يكتشف أنّه آخذ معه الى القبر بكرات عديدة من حبال الكذب التي لم يكتشفها أحد .

والكذب الذي كان ملح الرجال ، صار مع الوقت ملح الرجال وملح “النسوان” ، وحتى ملح الأطفال الذين تشبهوا ب “بينوكيو” الإبن الخشبي الذي كذب على والده وصانعه النجّار “الختيار غيبيتتو ” فلم يتضرّر منه سوى أنفه : ولو كان “بينوكيو” في عصرنا لتابع كذبه واستعان بخبير قدير لتقصير أنفه وجلس في المجالس يتحدّث عن أنفه الجميل .

وفي عالم اللَعِب يكذب اللاعب على شريكه في لعبة الشطرنج ويوهمه بخطّة لا يلبث أن يكتشف أنّ الهدف من وراءها كان في غير مكان .

وفي عالم السياسة يكذب السياسي أحياناً على مُناصريه فيسلب منهم عقلهم وقدرتهم على التشكيك ، ويقول جوزيف غوبلز وزير الدعاية النازيّة : “إكذب إكذب حتّى يُصدّقك الأخرون ثم إكذب أكثر حتّى تُصدق نفسك “!

وفي الهندسة يكذب العامل أحياناًّ على صاحب الورشة فيبيعه حيطاناً فارغة وقساطل غير ممددة،

وفي التجارة يكذب التاجر أحياناً على الزبون ويحلف بأولاده وشرفه وعرضه دون أن يرفّ له جفن،

وفي عالم الأعمال والأموال يكذب الجميع على الجميع فلا نعود نميّز بين بوالص التأمين و”بواعص” التأمين وبين القرض الميّسّر و”القرط” الميّسّر .

وفي الطب يكذب الطبيب أحياناً على مريضه ليخفّف عنه وطأة المرض ،

وفي المحاماة يضطرّ المحامي أحياناً أن يحامي عن الحرامي فيكذب على القاضي وعلى المستشارين وعلى المُدّعين ويحتال على القانون ، فيَصُحّ حينها قول القائل : “ألله يعين القاضي عالحرامي وعالمحامي ” طبعاً بعيد الشبه ، ومع احترامنا لحماة العدالة ،

وفي اللغة الفرنسيّة ، يُقال عن شخص ما أنّه كاذب كطبيب الأسنان menteur comme un arracheur de dents وقصّة هذا المثل أن الحلّاق الذي كان يمتهن في الماضي مهنة قلع الأسنان كان يكذب على ” مريضه” موهماً إيّاه أن عمليّة قلع الضرس غير مؤلمة فيصدّق هذا الأخير الذي ما ان يفتح فمه حتى يُصاب بألمٍ لا مثيل له .

وفي كرسي الاعتراف يكذب الخاطيء أحياناً على الكاهن ويخبره نصف الحقيقة فلا يلبث الكاهن أن يُعيد له الصاع صاعين ويَعِدُه ُبغفران الخطيئة .

وفي الأول من نيسان يحتفل الكذابون في العالم أجمع بعيدهم ، فنمشي جميعنا وعلى ظهورنا سمكة نيسان متفاخرين متبجحين ، غير مدركين أنّ السمكة ملصوقة على ظهورنا دون أن نعلم طوال أيّام السنة وليس يوماً واحداً فقط ،

وفي الحياة يكذب الإنسان على نفسه، فلا يُصدّق أنّه كَبر وأن أطفاله كبروا فيقول الأب لابنته يوم عرسها : كبرو زهور البساتين

ومتل الكذبة كبرتي !!

شارك الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Facebook IconYouTube IconTwitter IconFollow us on Instagram