ماذا لو؟
باسكال صوما
ماذا لو استيقظنا ذات صباح وقد منعت طباعة أوراق النعي وسجن معلّقوها مدى الحياة. منعت وسائل الإعلام من تغطية الحروب. منع الأحياء من البكاء على المسافرين. منعت الأمّهات من لبس الأسود. منعت الأسواق من عرض عدّة الحداد من توابيت وفساتين سوداء وربطات عنق سوداء.
ماذا لو تلفت القهوة المرّة من المقاهي والدكاكين. أقفلت مجالس العزاء والصالات التي تستقبل المفجوعين برائحة البنّ المرّ، المحترق في قلوب الأرامل والأولاد الذين فهموا كلّ شيءٍ، إنّما مدّدوا لأنفسهم اللعب قليلاً بعد.
ماذا لو قابلنا أخبار الموت بالبرودة وقرّرنا ألاّ نحزن وألا نبكي وألا وألا…
ماذا لو ماتت جدّتي مرّة جديدة. وبدل أن أصرخ وأمزّق أوراق النعي المعلّقة وأنا في طريقي إلى دفنها، ماذا لو لم أفعل سوى تغيير وجهة سيري من اليمين إلى اليسار، لأنّ على اليسار مقهىً أقلّ ازدحاماً؟ هل كانت جدّتي استيقظت وانتفضت على ثيابها البيض، وطلبت كوب ماءٍ مثلاً لأنّها عطشى؟ هل كانت ستناديني لتعاتبني لأنّني لم أوقظها؟
هل الموت قويٌّ لأنّنا ضعفاء؟ هل حزننا كلّما شدّ الغياب أحزمته صوبنا، ينفخ مزمار الموت ويجعله أكثر لؤما في اختيار ذبائحه؟
ربّما يكون موت جدّتي قد حدث فعلاً من شدّة قهري. ربّما هذا الوحش القبيح استطاع تحقيق آلاف الانتصارات على البشرية لأنّ سلاحه الدموع، وبطنه الكبير يأكل ويشرب طحين حزننا وخبز الكوابيس العالقة على ثيابنا.
ربّما نحن من يصنع موت الآخرين. نحن من يجعل الموت سلطانا جزّاراً، بحراً هائجاً، يبتلع قصور الرمل التي نبنيها، ثمّ يبتلع من كانوا سيسكنون فيها ذات يوم. ربّما كان الموت شيئاً عابراً كالحياة، لو أنّنا لم نرث عادة البكاء.
ماذا لو تبيّن أن الموت كان مجرّد خرافة أو مزحة ثقيلة، تحوّلت حقيقةً بفعل الحزن وتفشّي اللون الأسود على واجهات المحال؟
ماذا لو كان عدوّنا حزننا وليس موتهم؟
المصدر: موقع سكون