خاص – كيف رأى الكاتب رامي الأحمدية “الغموض يلوّن حقائق المستقبل بريشة الحاضر”؟
بقلم الكاتب رامي الأحمدية (الغموض في حياة الإنسان)
لطالما سمعنا أو تعرضنا لمواقف كان الغموض يسطّر الجزء الأكبر من تفاصيلها. فمن منّا لم يقابل شخصاً غامضاً أشعرنا بالحيرة، أو لحدث أثار الإستغراب فينا وأبقانا مذهولين لبعض الوقت، أو قرأ أوسمع عن أمر حصل في مكان ما من العالم ولكنه كان أقرب إلى الخيال من الواقع.
يكتنف الغموض العديد من الأمور في الحياة، فقد تمكّن بعض الأشخاص من خلال الشخصية التي يمتلكونها من زرع الشك في نفوسنا، سواء إن عرفناهم منذ مدة طويلة أو قصيرة، وذلك لتحفّظهم على العديد من التفاصيل التي تخصّهم، أو لتمكّنهم من إنتزاع الكلام منّا لتصبح أسرارنا مفضوحة ومعلنة أمامهم، أو لكونهم يظهرون بمظهرٍ غريب، من حيث الشكل والملبس والتصرفات، عمّا هو متعارف عليه في المجتمع.
أما الأحداث المريبة التي قد تحدث معنا في حياتنا اليومية لتبقينا حائرين، قد لا تكون أكثر غموضاً من بعض المعتقدات الشائعة والمسيطرة في المجتمعات وبين كافة فئات المواطنين، كأن نمر بلحظةٍ نشعر بأننا قد سبق أن عشناها في زمان ومكان مختلفين (أو ما يُعرف بظاهرة الDéjà vu)، أو أن نرى ونستشعر أشياء غير موجودة في بعض الأحيان، وغير ذلك من الأمور التي قد نتعرض لها دون أن نتمكن من إيجاد تفسير علميّ أو منطقيّ لها، فتبقينا مذهولين من أمرنا لوهلة قبل أن نتمكن من متابعة حياتنا بشكل طبيعي.
وتبقى بعض الأحداث الموثّقة والتي حصلت على مرّ العصور الأكثر غموضاً والأبعد عن المنطق، كحالة الإحتراق الذاتي التي حصلت في إحدى الأندية الليلية عام 1930 والتي أدّت إلى مقتل الراقصة “مابل آندروز” أمام حشد كبير من الجمهور، ولم تكن تلك حالة الإحتراق الذاتي الوحيدة المسجّلة، إذ حصلت أحداث مشابهة في فترات مختلفة ومع أشخاص آخرين وتم الحديث عنها وتوثيقها ليبقى سبب حصولها غامضاً.
كما أن حقيقة وجود القارة الأسطورية أطلانتيس والتي تحدث عن وجودها ووصفها بإمعان أفلاطون قبل أكثر من 300 عام قبل الميلاد، والتي عجز الباحثون عن تأكيد وجودها من عدمه بالرغم من مرور السنين. أما كهوف التاسيلي الواقعة على الحدود الليبية الجزائرية والتي تم إكتشافها بالصدفة عام 1938، فقد أثارت محتوياتها الذهول لما شملت عليه من رسومات ونقوشات على جدرانها تشير إلى حضارة قديمة جداً عاشت في تلك المنطقة، ليتبيّن بأن الرسومات هي لمخلوقات بشرية تطير في السماء وأمور أخرى لم يكن من المنطقي أن تحصل في قديم الزمان، ما دفع الباحثين للتوافد لدراسة تلك النقوشات ومعرفة ما تحتويه تلك الكهوف، وليتبين بأنها تعود إلى ما يتراوح بين 17 و 20 ألف عام. هذه أمثلة قليلة لظواهر كثيرة بقيت غامضة وعجز العلم والمنطق عن إيجاد تفسير منطقي لها.
يحتلّ الغموض جزءاً كبيراً من حياتنا، ونبقى عاجزين عن الوصول إلى الحقيقة الكاملة في أمور تتدرّج من العلاقات الإنسانية والطبائع البشرية، لتمتد إلى الأحداث الحياتية اليومية، وتصل إلى أوجها عند الاطلاع على بعض الوقائع التاريخية والموثّقة، والتي لن يكون من السهل فكّ شيفراتها وتفسيرها، فيلوّن الغموض حقائق المستقبل بريشة الحاضر، وتزدان لوحة الحياة بألوان زاهية أحياناً، وقاتمة أحياناً أخرى، لتُغطي اللون الرمادي الطاغي على جدران حدود معرفتنا.