خاص – التكنولوجيا …وسواس قهري
بيروت – ريم شاهين
كسرعة البرق يشهد العالم تغيرات في كافة المجالات السياسية و الإقتصادية و التكنولوجية و البيئية و الطبية و الفنية ، ما يضع الإنسان في مواجهة مع نفسه ليتمكن من مواكبة كافة التطورات التي تؤثر تارة على صحته الجسدية و طوراً على صحته النفسية .
إن آثار التطورات التي يشهدها العالم تنعكس بالإيجاب أو بالسلب على نفسية الإنسان ، الأمر الذي جعل العالم يولي الطب النفسي أهمية بالغة في معظم المجتمعات .
إحدى أبرز التطورات التي يشهدها العالم تطال القطاع التكنولوجي بشكل كبير الذي يعتمد على التطورالآني و المتسارع ، إذ أصبح الإنسان سجين وسائل التكنولوجيا و تحول الإعلام في أنحاء العالم إلى إعلام إلكتروني .
من الواضح تأثير التكنولوجيا على حياة الإنسان اليومية بشكل كبير بل و مرضي ، فبعيدا عن الآثار النفسية و الإجتماعية لذلك و لإجتياح التكنولوجيا حياتنا الخاصة ، يعاني البعض من وسواس الشراء القهري لكل ما يتعلق بالتكنولوجيا .
و يوصف وسواس الشراء القهري بالحالة المزمنة و المتكررة ، فهو يتركز على التسوق المصحوب بشراء كميات كبيرة من الأدوات التكنولوجية بدون مبرر منطقي ، و يتم تصنيفه كأحد أنواع الإدمان المرضي التي لا تتضمن تناول مادة كيميائية ، و مثل جميع الأمراض النفسية فإنه من شروط تشخيص هذا المرض هو أن يكون له تأثير سلبي على حياة الشخص سواء من الناحية الاجتماعية أو العملية أو المادية .
و تظهر أعراض هذا المرض حين يبدأ الشخص بزيارة المحلات التجارية لشراء ما يحتاجه و من ثم يبدأ بإنفاق ماله على ما لا يحتاجه، متذرعا بحجة أنه سيحتاجه لاحقا . و تتفاقم أعراض هذا المرض بالتردد و التبضع من هذه المحلات بشكل مستمر و قد يصبح يومي .
من المؤسف أن المريض لا يعترف بإدمانه ويتذرع بحجج واهية لتبرير حاجته لما يقوم بشرائه، و في هذه الحالة يجب على الأشخاص المقربين منه لفت إنتباهه بود ومحبة لما يقدم على فعله ، كي لا يورط نفسه بديون.
ينصح أطباء النفس بتشجيع هؤلاء الأشخاص على زيارتهم ، لأن هذا المرض ليس بإكتئاب ولا يعالج بالأدوية ، بل هناك طريقة علاج خاصة لهذا الأدمان ، تماما كأدمان بعض النساء على التسوق.
تشير افتراضات التحليل النفسي إلى أن المصابين بهوس الشراء قد يرتبط الأمر لديهم بالتعرض لحوادث أو مواقف خاصة في الطفولة أو إلى وجود خلل في الناقلات العصبية الكيميائية الموجودة في الدماغ التي تتضمن السيروتونين و الدوبامين . كما يرتبط الدوبامين لدى مرضى هوس الشراء بآلية عمل مشابهة للآلية التي يحدث بها شعور الانتشاء لدى مرضى الأنواع الأخرى من الإدمان .
تزداد نسبة المصابين بهوس الشراء بشكل كبير في الدول المتقدمة و الغنية اقتصادياً و في الدول التي تتبنى اقتصاد السوق المفتوح و في المجتمعات التي تتوافر فيها بدائل مالية متعددة من نقود مباشرة و بطاقات ائتمان و شيكات ، حيث يسمح ذلك بتوافر الأموال بشكل أكبر للأشخاص . أخيرا ، ينبع علاج هذا المرض أولا من إرادة الشخص و قدرته على التخلص منه و بالقيام بالخطوات المناسبة للشفاء منه ، بالرغم من حاجته لمساندة حقيقية .
و تبقى موجة التكنولوجيا سيف ذو حدين ، إمكانية الإستفادة منها و التخلص من سيئاتها مشكلة يواجهها العالم بأسره .